للقصص الكثير من المتعة والتشويق لدى الجميع ولاسيما قبل النوم، وعند قراءة قصص تحتوي على الخيال نوسع مداركنا الحسية وقدرتنا على تصور ما لا يوجد بالحياة، بل وتساعدنا أيضا على امتداد أبصارنا لأحلام وطموحات مليئة باستحواذنا على الفوز والانتصار.
قصة الملك والثعبان الأبيض.
روي أنه في قديم الزمان كان هناك ملكا عظيما يحكم إحدى الممالك العظمى، وقد عرف ذلك الملك بامتلاكه لقوى خارقة تفوق الخيال، لقد كانت قواه سرا لا يعلم بأمره إلا هو، لقد كان يجيد لغة جميع الطير وجميع الحيوانات لذلك كان دائم المعرفة بكل ما يحيط به من معلومات كبيرة وصغيرة، كان على اطلاع دائم بمخططات أعدائه وبما يدور بكل بلاده والبلاد المجاورة والبعيدة أيضا عن بلاده.
وقواه الخارقة كانت تجعل الجميع يحسب له ألف حساب ويخاف من ردة فعله عند غضبه لذلك كان الجميع يتساءل عن مدى قوته الخارقة ومن أين يستمدها؛ وكان ببلاده هناك فتى من أسرة معدمة وفقيرة للغاية، كان أكبر إخوته وكان والده دوما يجبره على العمل ليعيل إخوته ووالدته، ولكن الابن كان عاشقا لتعلم القراءة والكتابة وكل العلوم غير أنه كان يبقي ذلك الأمر بينه وبين نفسه رغبة في ألا يعرف بأمره والده الذي حذره دوما من ذلك.
كان الابن دائما ينحاز وراء رغبته والتي لا تنتهي مطلقا في التعلم وعندما يعود يوما دون أموال ينهال عليه والده بالضرب، كان والده يعتقد أن الأموال هي كفيلة لحل جميع مشكلات الحياة وأن العلم إنما هو مضيعة للوقت ليس إلا على خلاف ابنه الذي كان يوقن أن العلم مفتاح الحياة والعيش بسعادة بها.
وفي صباح باكر للإحدى الأيام دخل والده عليه فجأة فوجده منهمكا في دراسة ما تعلمه من معلم، كان يكتب في ورقة فأمسكه والده وأشبعه ضربا، بل وطرده من المنزل وتوعده إن عاد إليهم يوما؛ لم يجد الابن مفرا إلا ترك البلدة الصغيرة التي يعيشون بها ويتوجه نحو المدينة العامرة أملا في أن يجد مبتغاه هناك.
وبالفعل شد رحاله للمدينة وهناك ذهل من روعة المناظر الخلابة التي وجدها من مباني شاهقة وحدائق مليئة بالورود والأزهار وطرق نظيفة، وحياة مرتبة أكثر من اللازم.
وبينما كان الفتى يتجول في أنحاء المدينة ويلقي نظرة هنا وهناك على حياة لم يعهد مثلها من قبل، مر ملك البلاد وحاشيته من أمامه، لقد كان الفتى مولعا وشغوفا لأبعد الحدود بفضوله الشديد وحب الاستطلاع على كل ما هو جديد، لذلك تبع موكب الملك حتى اقترب من إحدى عرباته والتحق بها، لم يصدر أي صوت حتى وصل الموكب لقصر الملك.
وبعدما أحس الفتى برحيل الجميع نزل من العربة وبحث عن مكان أكثر أمانا ليختبئ به، وبالفعل وكلها لحظات قلائل حتى فتح باب القصر فذهل الفتى من جمال المنظر وقد أسر قلبه من شدة روعة ما رأى، وبعدها دخل كثير من التجار والفنانون للقصر، لقد كان منهم من يبيع أقمشة الحرير وأفخم أنواع الأقمشة، ومنهم من يبيع المجوهرات والحلي، ومنهم من يقوم بالرسم وكثيرون غيرهم، كانوا كل هؤلاء التجار يذهبون أولا للقصر الملكي يعرضون تجارتهم ويبيعونها قبل الذهاب بها للسوق.
وعندما قام جميعهم بعرض بضائعهم وقف الملك بشرفة قصره وشرع في النظر، وفجأة أُناء انهماكه بالنظر للسلع سقط مفتاح ذهبي مرسوم عليه ثعبان أبيض، لم يراه أحد ممن كانوا هناك ولم يلاحظه إلا الفتى حيث أنه كان يختبئ وراء الحائط أسفل الشرفة، ألتقطه الفتى وبعد انصراف التجار جميعا هم الملك بالانصراف، ولكن الفتى بكل جرأة ينادي على الملك قائلا: ” أيها الملك انتظر قليلا”!
التفت الملك خلفه وإذا به يرى فتى يقف وسط ساحة حديقة قصره، وبغضب شديد: “من أنت؟!، ومن سمح لك بدخول قصري الذي لا يليق بأمثالك؟!”
وعلى الفور أمر الحراس بالقبض عليه ومحاكمته، دب الرعب بقلب الفتى وبسرعة فائقة: “يا مولاي إن لا أحمل لك إلا كل خير، وليس بنيتي شيء إلاه، كل ما هنالك أنه سقط منك شيء يخصك عندما انهمكت بمشاهدة عروض التجار، وقد وجدته واحتفظت به لأعطيك إياه فور انتهائك من المشاهدة”.
أمر الملك الحراس بأن يجلبوه لداخل القصر ليمثل أمامه…
أمر الملك الحراس بأن يجلبوه لداخل القصر ليمثل أمامه، استحوذ الرعب وتملك قلب الفتى وأصبح في حيرة من أمره وكثير التفكير في مصيره المحتوم الذي ينتظره بالداخل عند مقابلة الملك والمثول أمامه لمحاكمته بعدما انقض عليه الحراس وأخذوه عنوة؛ ولكن سرعان ما أصبح أمام ملك بلاده، انحنى الفتى وشرع يتوسل إليه، فأشفق الملك على حاله …
الملك: “لا تقلق أيها الفتى فأنا لم أجعلهم يأتون بك إلى هنا من أجل محاكمتك، وإنما جئت بك هنا بسبب شجاعتك وجرأتك، أخبرني من أنت؟ ومن أين أتيت؟!”
أجابه الفتى قائلا: “اسمي آليكس، وقد قدمت من البادية يا مولاي”.
الملك: “يظهر على ملابسك أنك من البادية فقد زرتها أكثر من مرة، وأعلم كم أن أهلها أناس طيبون، يحبون العمل ويجتهدون في أدائه ولكنك لم تركت أرض البادية حيث الهدوء والراحة وقدمت للمدينة الصاخبة؟!”
الفتى: “جئت باحثا عن عمل يا مولاي”.
الملك: “ألم تكن تعمل بالبادية فعلى حد علمي لديكم بها الكثير من الأعمال هناك”.
الفتى: “لقد كنت أعمل بها ولكن والدي قام بطردي منها عندما وجدني مصرا على حرصي على التعلم”.
الملك: “ألا يريدك أن تتعلم والدك؟!”
الفتى: “إن والدي يفضل الأموال على العلم يا مولاي، فلي من الإخوة الكثيرين وأنا أكبرهم سنا لذلك أساعد والدي في إطعامهم وشرابهم وتربيتهم”.
الملك: “وجزاءا لأمانتك سأكافئك، من لآن فصاعدا ستكون مرافقي الشخصي والأمين على خزائني والمطلع الوحيد على كل أسرار المملكة، كما أنك ستكون مرافق ابنتي الوحيدة حيث أنها دائما تشعر بالوحدة ولا أثق بأحد هنا لأجعلها برفقته، أتعلم لو وقع هذا المفتاح بيد أحد غيرك لكانت المصيبة الكبرى بالنسبة لي، إنه مفتاح لمكان سري للغاية وبه سر أخطر منه؛ أما بالنسبة لتطلعك للعلم فسأوصي معلم القصر ليعلمك بنفسه”.
غمرت الفتى السعادة، لقد شعر بالسعادة من كل قلبه وكأنه لم يسعد يوما قبله، من كثرة فرحته عجز عن كيفية شكر الملك لدرجة أن الملك نفسه شعر بمدى مشاعر الفتى وعدم قدرته على الكلام وحسن التصرف، وبالكاد استطاع الفتى أن يقول لملكه: “لا أعلم كيف أشكرك يا مولاي، ولكني أتمنى أن أكون عند حسن ظنك بي، وأن أكون على قدر المسئولية التي أوكلتها لي”.
أمر الملك رجاله بتخصيص حجة للفتى بنفس الجناح الخاص به حتى كون على مقربة منه، وبالفعل في أقل وقت كانوا قد فعلوا ما أمرهم به ملكهم؛ لقد كان هناك من يحقد على الفتى ويحمل له مشاعر الغيرة والبغض والكراهية الشديدة لدرجة أنه لم يستطيع إخفاء مشاعره هذه حتى أمام الملك، فقد أبداها ولم يخفها عندما أخبر الملك قائلا: “يا مولاي أرى أنك لم توفق في اختيارك لذلك الفتى، فربما كان من أعدائنا وما فعله إنما هو ادعاء وتمثيل لتثق به وتملكه من نفسك، إنني أخشى عليك يا مولاي”.
ولكن الملك طمأنه وهدأ من روعه وأخبره أنه على دراية كاملة بما يفعله، وأنه لا يحق له حتى وإن كان قائد كل جيوشه وفرسانه التدخل في شئون ملكه، اغتاظ القائد من رد الملك فاستأذن منه بالرحيل بحجة نه يشعر ببعض الإعياء، ولكنه كان حاقد على الفتى وبخاصة عندما أمره الملك بمرافقة ابنته الوحيدة والتي معجب بها قائد الجيوش والفرسان.
وبهذه الطريقة أًصبح الفتى دون شعور منه العدو الأول والوحيد لقائد الفرسان نفسه، كان الفتى مجتهدا ومجدا في عمله الموكل إليه من الاعتناء بالملك شخصيا، ومرافقة ابنته الوحيدة علاوة على أوامره والتي إن تأخر فيها تتطبق عليه قواعد لقصر ولتي ممكن أن يكون فاقدا لحياته مثله مثل غيره من الباقيين أيضا، لذلك كان يكثف مجهوده ويجعل تركيزه وهمته دائما حاضرين لكيلا يقع في أي من الأخطاء المحذر عليه ألا يرتكبها.
كان أهم أمر من أوامر الملك أنه يوميا وبغروب الشمس يقدم للملك طبقا مغطى يوجد بحجرة سرية، والتي مفتاحها المفتاح بعينه الذي كان سببا فيما وصل إليه الفتى من آمال م يكن ليخطر بباله أن يصل إليها يوما، وقد كانت الحجرة السرية هذه …
قصة الثعبان الأبيض وسره الخفي الجزء الثالث
وقد كانت الحجرة السرية هذه نفسها تحمل رمز المفتاح الذي وجده ساقطا من الملك (رمز الثعبان الأبيض)، عندما دخلها أول مرة وجد كل الغرابة من أمرها، حيث أنها كانت غرفة خاوية على عروشها إلا بمنتصفها حيث توجد طاولة عليها قفص به طبق مغطى، وقد أمره الملك أنه يجلب إليه الطبق المغطى كل يوم قبيل غروب الشمس، وحذره من كشف الطبق وإلا طارت فيها رقبته ودفع حياته ثمنا.
وبالفعل بكل يوم كان يجتهد “آليكس” بإتمام كل مهامه وواجباته على أكمل وجه، كان يرافق الأميرة والتي كانت مغرورة ومتسلطة أيضا، كانت ترهقه دائما وعن قصد، كما أنها كانت ترهق جسده برحلات الصيد التي كانت تعشقها بشدة والتي كانت تذهب إليها يوميا، كانت تلقى عناية واهتماما بالغا من والدها نظرا لأنها ابنته الوحيدة، لذلك اعتادت أن تكون متعجرفة لأبعد الحدود، وبالرغم من كل طباعها السيئة إلا أن الفتى “آليكس” وكل من رآها وقع في حبها فقد كانت تمتلك جمالا فريدا من نوعه.
كانت تجيد الرماية والسباحة وتعشق ركوب الخيل، كما كان “آليكس” أيضا يجيدها جميعها لكونه من البادية، كان بكل مرة يراه فيها قائد الفرسان بالقرب من الأميرة تقتله نيران الغيرة والحقد نظرا لأنه يحب الأميرة ولطالما تودد إليها وطلب منها أن تبادله نفس الشعور، ولكنه لم يجد منها إلا التجاهل والتهكم أيضا، لذلك قام قائد الفرسان بتجنيد البعض من حراس القصر بمراقبة كل أفعال “آليكس” إلى أن يجد الفرصة السانحة والتي يتخلص منه بها نهائيا.
كان بكل يوم ومع غروب لشمس يذهب “آليكس” لغرفة السرية والتي تحمل رمز الثعبان الأبيض، فيحمل الطبق المغطى ويذهب به للجناح الخاص الملكي، فيطرق الباب برقة وأول ما يأذن له الملك بالدخول، يدخل “آليكس” فيترك الطبق بجوار الملك ويخرج على الفور، وعندما ينتهي الملك يقرع الجرس فيعلم من خلال ذلك الفتى أن ملكه قد انتهى فيدخل الحجرة ويأخذ الطبق ليعيده لمكانه السري ويغلق عليه بإحكام.
وبيوم من الأيام طغى شعوره بالفضول وحب الاستطلاع ومعرفة ما بداخل الطبق المغطى أثناء رجوعه به من عند الملك على خوفه من أن تقطع رأسه، وأول ما دخل الغرفة السرية كشف الغطاء وإذا به يجد ثعبانا أبيض اللون مطهوا، لم يستطع السيطرة على نفسه من معرفة سر الثعبان فتناول قطعة واحدة منه، ولم يتحكم بنفسه إلى أن وجد نفسه قد تناول كل ما بداخل الطبق ليتركه فارغا، فقام بتغطيته وما إن وضع الطبق من يده حتى شعر بتغيرات غريبة بكامل جسده، تغلب على شعوره بهذه التغيرات ليخرج من الغرفة السرية وإلا شك حراس الملك بأمره.
الثعبان الأبيض الضخم.
الثعبان الأبيض الضخم.
خرج على الفور وتوجه للجناح الخاص الملكي ليستأذن الملك بالسماح له بإجازة قصيرة ولو ليوم واحد، حتى يتعافى جسده مما يشعر به، ولكن الملك تأخر عليه في الرد على عكس حالته، استأذن للمرة الثانية والثالثة ولكن لا إجابة من الملك لذلك تشجع “آليكس” وقام بفتح الباب ودخل ولكنه لم يجد الملك، ولكنه وجد شيئا لفت كامل انتباهه، إذ وجد بابا بحجرة الملك لأول مرة يراه وما جعله ينجذب نحوه ويلاحظه أنه كان مفتوحا بعض الشيء، وكعادته الدائمة ينساق وراء فضوله، فتح الباب فوجد سردابا، فمشى خلاله ولكنه قابله بابا آخر فقام بفتحه أيضا ولم يتردد ثانية حتى أنه تناسى ألم جسده الذي كاد يقتله وراء فضوله.
وعندما فتح الباب الثاني كانت الطامة الكبرى لقد رأى الملك مكبلا بأغلال بالغة في حجمها ودقة إحكام غلقها، فوجئ الفتى وبقلق شديد على ملكه أخبره قائلا: “لا تقلق يا مولاي في الحال سأحررك، لم أكن أعلم أنك هنا تعاني، ولقد دخلت غرفتك دون استئذان لأنني كنت في حاجة مسة لطلب إجازة نظرا لأنني أشعر بتعب شديد بكامل جسدي”.
وعلى الفور شرع في فك وثاقه، ولكن الآخر المكبل بالأغلال أمسك بيده وقال: “أنا الملك ولكن من أنت؟!”
وعلى الفور شرع في فك وثاقه، ولكن الآخر المكبل بالأغلال أمسك بيده وقال: “أنا الملك ولكن من أنت؟!”
الفتى: “بالتأكيد يا مولاي أعلم أنك جلالة الملك، واعذرني ولكنني لم أكن أعلم أنك هنا، ولو كنت أعلم لما تأخرت عليك، ولكن عذرا من فعل بك هذا؟!، أمل أتركك منذ لحظات وقد كنت بخير؟!”
الرجل المكبل بالأغلال: “ولكن من أنت يا بني؟!، أيعقل أن تكون الفتى الذي أنتظره منذ سنوات طوال؟!”
اعتقد الفتى أن الملك قد فقد عقله وصوابه ورشده، واستغرب كثيرا إنه لم يمضي وقت طويل لكل هذا إنما هي دقائق معدودة.
الرجل المكبل بالأغلال: “اسمعني جيدا، الملك الذي تعتقدون جميعكم أنه ملككم ما هو إلا أخي التوأم، وأنا هو ملككم الحقيقي، لقد خدعني منذ سنوت وأخبرني باكتشافه لغابة العجائب وطلب مني الذهاب إليها معه حيث أنني محب لاستكشاف كل ما هو يفوق العقل ومولع بذلك، فذهبت إليه وذلك ما توجب عليه فعله، أن يراني جميع شعبي وحراسي وأنا خارج معه وسط حاشيتي، وقد دبر لي الخديعة بأن وضع منوما بزجاجة المياه خاصتي، وعندما وصلنا الغابة وتجولنا بها لاكتشاف ما بها من عجائب وغرائب لم يشهدها العقل مسبقا تظاهر بالتعب والإعياء الشديدين، وأخبرني أنه ذاهب لشرب شيء دافئ يقلل تأثير ما بدا عليه، وأثناء ذلك شعرت بالعطش الشديد فشربت رشفة مياه من زجاجتي الخاصة، وبعد ذلك لم أدري بنفسي إلا وأنا مكبل مثل ما تراني الآن؛ لقد استبدل ملابسي بملابسه، وأخبر الناس جميعا أن أخاه التوأم قد ألقت عليه ساحرة شريرة تعويذة جعلته بها طائرا”.
تعجب الفتى من أمره قائلا: “وكيف لي أن أصدقك وأنت تقول كلاما يثبت نفي كلامك المسبق؛ بالفعل للملك طائر يسجنه بقفص ودائما ما لاحظت أنهما يتبادلان أطراف الحديث، فالملك يتحدث إليه والطائر يجيبه بزقزقة حلوة الصوت، وهذا يثبت كلامك، وما أدراني فربما تكون بالفعل أنت أخاه الشرير”.
تنهد الملك الحقيقي تنهيدة تحمل الكثير من الوجع والآلام: “سأخبرك سرا لا يعلمه أحد إلا أنا وأخي المدعي أنه ملككم، إنه يعرف لغة الحيوانات والطير جميعا، فلذلك يمكنه التحدث معهم، وما أعطاه تلك القوى الخارقة أنه يأكل بكل يوم قطعة من الثعبان الأبيض”.
وعندما سمع الفتى بأمر الثعبان الأبيض جن جنونه وتلعثم بالكلام: “الثعبان الأبيض؟!”
الملك الحقيقي: “نعم الثعبان الأبيض بالتأكيد لا تعلم عنه شيء”
الفتى: “وكيف ذلك، لقد قادني فضولي لأعرف ما بالطبق وعندما كشفته وجدت ثعبانا أبيض اللون مطهوا، فقادني فضولي لأكل قطعة منه، ولكنني لم أتمالك نفسي فأكلته كله”.
وهنا صاح الملك في وجهه: “وكيف فعلت ذلك ألا تعلم أنك ستدفع رقبتك ثمنا لفعلتك هذه؟!”
الفتى: “وماذا أفعل إذا؟!”
الملك: “ساعدني في الخروج من هنا وسأساعدك في أمرك أيضا”.
الفتى: “سأفعل من أجلك كل ما تريد ولكن في البداية آتني بالقسم على أنك الملك الحقيقي”.
الملك الحقيقي: “إنك لوفي حقا لملكك، ولكنني أنا الملك الحقيقي وبعد قليل من الوقت سيتبين لك الأمر بأكمله، اذهب لغابة الأقزام وهناك ستجد شجرة صنوبر طوله لا يزيد عن الثلاثة أقدام..”
قاطع الفتى كلامه متعجبا: “طولها ماذا؟!، وكيف لشجرة صنوبر أن تكون بهذا الطول العجيب؟!”
الملك الحقيقي: “ألم أخبرك بأنها غابة أقزام، وهناك خذ بعضا من أوراقها وقم بحرقها، ومن ثم سيظهر لك قزم عجوز بالسن وحكيم للغاية لا تخف منه، فهو يعلم يقينا من أنت ومن الذي أرسلك إليه، وهناك هو سيتكفل بكل شيء وسيعلمك ماذا تفعل؛ اذهب على الفور حتى تتمكن من الذهاب للغابة قبل أن يشك بأمرك أحد، اذهب إلى الإسطبل وستجد به حصانا أسود اللون وبه علامة بيضاء أعلى رأسه، كل ما عليك فعله أن تهمس له في أذنيه قائلا خذني لغابة الأقزام، وسيأخذك بسرعة فائقة وهو الوحيد القادر على معرفة الطريق وكيفية الذهاب إليها، وعندما تنتهي من مهمتك همس له في أذنه خذني للقصر الملكي”…
” كل ما عليك فعله أن تهمس له في أذنيه قائلا خذني لغابة الأقزام، وسيأخذك بسرعة فائقة وهو الوحيد القادر على معرفة الطريق وكيفية الذهاب إليها، وعندما تنتهي من مهمتك اهمس له في أذنه خذني للقصر الملكي”.
على الفور ودعه الفتى وانطلق مسرعا ليخرج من السرداب متجها للإسطبل، وحالفه الحظ حيث أنه وجد الملك لم يعد بعد ووجد غرفته الخاصة فارغة أيضا، أسرع متجها للإسطبل ولكنه كان يشعر أن هناك شخصا ما يراقبه عن كثب.
لقد كان قائد الفرسان بنفسه من كان يراقبه وقد رآه خارجا من غرفة الملك الخاصة، وكان على علم يقين بأن الملك ليس موجودا بالداخل، وهنا اعتقد قائد الفرسان أن الفرصة التي في انتظارها ليتخلص من الفتى قد جاءت وعلى طبق من ذهب؛ دخل غرفة الملك الخاصة على الفور ما إن رأى الفتى يبتعد متوجها لبوابة القصر، وبداخل الغرفة أخذ الخاتم المفضل للملك وقام بإلقائه من النافذة والتي تطل على حديقة القصر والتي بها العديد من الطيور والحيوانات المختلفة، وبالفعل لقد رأى بطة تلتقط الخاتم وتبتلعه على الفور، سر قلب القائد كثيرا لأنه بهذه الطريقة لن يعلم أحد مهما بلغ ذكائه معرفة أين ذهب الخاتم الملكي.
خرج من الغرفة بسرعة ووقف خارجها في انتظار عودة الملك حيث أنه حان موعد نومه، وعندما جاء الملك اقترب منه قائده وقال: “عذرا يا مولاي، ولكنني كنت مارا من هنا بالصدفة فرأيت أن الفتى آليكس يخرج من الغرفة مسرعا ويتلفت بعد خروجه منها يمينا ويسارا، وبعدها أسرع متوجها ناحية بوابة القصر، وعندما علمت أنك لست بالغرفة أصريت على انتظارك لأعلمك بالأمر”.
لم يكذب الملك خبرا فدخل على الفور وتفقد غرفته، وبعد لحظات خرج ثائرا للغاية يصرخ على حرسه سائلا: “أين آليكس؟!”.
لقد كان قلب القائد يرقص فرحا، وأخيرا سيتخلص من غريمه الوحيد، فاقترب من ملكه مسرعا: “ماذا حدث يا مولاي؟!”
الملك: “لقد اختفى خاتمي المفضل، سألقنه درسا قاسيا على جرأته وأفعاله الوضيعة معي، سيدفع الثمن حياته كاملة؛ مر رجالك بالبحث عنه في جميع الأرجاء وأتوني به لمعاقبته أشد العقاب، ولا تأتيني إلا به”.
القائد: “كل أوامرك مطاعة يا مولاي الملك”.
كل ذلك والفتى المسكين لم يكن يعرف ما الذي يجري بالقصر، وأن الجميع يسرفون في العناء والشقاء رغبة في إيجاده وتقديمه للملك، حتى أن الفتى لم يلقي بالا بمعرفة من يراقبه وإن كان حدسه صحيحا أم مجرد تخيلات وأوهام، بل كان كل ما يشغل باله التأكد من صحة وصدق كلام الرجل المكبل بالأغلال، على الرغم من أن قلبه يصدقه وبشدة، وأثناء كل هذه التساؤلات والأفكار التي كانت تدور برأسه إذا به يسمع أصوات ضجيج تعج بالأماكن التي يمر بها وهو على ظهر الحصان المسرع به.
لقد كان الصوت يعلو أكثر فأكثر لدرجة أن الفتى اعتقد أنه وسط سوق لذلك نزل من على ظهر الحصان وبدأ في تفقد المكان من حوله، ولكنه صدقا لم يرى شيئا، وبعد قليل من الوقت لاحظ أن الصوت الذي يسمعه يأتي من أسفل، نز قليلا بجسده وإذا به يسمع ويرى الكثير من النمل، وإحدى النملات تنظر للجميع وتحذرهم أن يدخلوا مساكنهم حتى لا يكونوا ضحية الحصان المنطلق مسرعا، خيل إليه أنه يستطيع التحدث معهم مثلما سمعهم، وبالفعل تمكن الفتى “آليكس” من مخاطبة النمل جميعا …
النملة: “هل يمكنك ألا تؤذي وادينا يا سيدي”.
الفتى: “بكل تأكيد لا يمكنني أذيتكم جميعا، وإنني حقا آسف على ما سببته لكم من متاعب”.
النملة: “لا تعتذر يا سيدي، فأنتم معشر البشر نظرا لضخامة أجسامكم لا تروننا، وبالتالي لا يمكننا لومكم على ما لا تفعلونه عن قصد، ولكنني أعرف من أين أنت، فحصانك حصان الملك الذي لم نره منذ سنوات طوال”.
الفتى: “نعم لقد أصبتِ، ولكنكم سوف ترونه عما قريب”.
واستكمل الفتى طريقه للغابة …
واستكمل الفتى طريقه للغابة، وقد كان مسرعا للغاية حتى يتمكن من العودة للقصر لكي لا يشك أحد بأمره؛ وما إن وصل للغابة المذكورة حتى شرع في البحث عن شجرة الصنوبر والذي كان قد وصفها له الرجل توأم الملك والذي يصدقه قلبه بأنه الملك الحقيقي.
أخذ بعضا من أوراقها وقام بحرقها، وفجأة ظهر له قزم عجوز ذو لحية بيضاء، أصيب الفتى بالهلع إنه يرى أشياء غريبة لم يسبق له أن رآها من قبل؛ ولكن القزم طمأنه وهدأ من روعه …
القزم العجوز: “لا تخف أيها الفتى النبيل، إنني أنتظر قدومك منذ سنوات طوال، ولا تهلع فأنا بجانبك ولا يوجد ما يخيفك صدقا”.
الفتى: “تنتظرني؟!، والرجل المكبل بالأغلال ينتظرني منذ سنوات طوال أيضا، ولكن لماذا تنتظراني كلاكما؟!، ما المميز بي ليجعلكما تنتظراني؟!”
ابتسم القزم العجوز ابتسامة خفيفة: “إنك الإنسان الوحيد الذي تجرأ ورفع الغطاء عن الطبق، والوحيد أيضا الذي استطاع أكل الثعبان دفعة واحدة، والوحيد مجددا القادر على مساعدة الملك الحقيقي وإخراجه من المأزق الذي وضعه به شقيقه التوأم”.
الفتى: “يكاد عقلي ينفجر من كثرة التفكير، فكيف لي أن أحرره من سجنه وهو مكبل بأغلال وكأنه وحش كاسر؟!”
القزم العجوز: “لا ترهق نفسك بالتفكير، افعل كل ما أمليه عليك، وأنا أعرف تماما ما سيتوجب علينا فعله، لذلك لا تقلق من شيء”.
الفتى بكل ثقة: “سأفعل كل ما تأمرني به طالما في مصلحة الملك ومصلحة البلاد”.
سر القزم العجوز ذو اللحية البيضاء من كلام الفتى، وهز برأسه قائلا: “كنت أعلم يقينا أنك فتى نبيل”.
أمسك بيده وسار به عدة خطوات حتى وصلا لطريق تعجب منه الفتى وقال للعجوز: “يا له من طريق عجيب وكأن ثعبان قام برسمه”.
القزم العجوز: “إنه بالفعل كذلك، لقد قام برسمه ثعبان، إنه طريق يؤدي لكهف الثعبان الأبيض”.
ذهل الفتى لدرجة أنه جحظت عيناه: “ثعبان أبيض؟!”
القزم العجوز: “نعم، ثعبان أبيض كالذي أكلته، فهما في الحقيقة اثنين أحدهما قام الملك الحقيقي السجين باصطياده، وقد طبخته لأجله مستخدما الأعشاب السحرية، والثاني أنت ستقوم باصطياده”.
الفتى في ذهول رهيب: “من؟!، أنا؟!، أقوم بماذا؟!”
القزم العجوز: “لا تصاب بكل ذلك الذعر، ولا تخف سأملي عليك كل ما ستفعله؛ بداية ستذهب بحصانك للكهف وخارج الكهف على بوابته ستجد سيفا مغروزا بالأرض، حاول كثيرون إخراجه من مكانه ولكن لم يستطع أحد بما فيهم شقيق الملك التوأم الذي يدعي بأنه ملكم الحقيقي، ولكنك أنت ستقدر على ذلك؛ وبعد ذلك ستدخل ممر الكهف وهناك ستجد الكثير والكثير من الأشياء التي تغري الإنسان كل ما يخطر على بالك ولكن إياك والاقتراب منها، وإياك ولمس أي شيء من تلك الأشياء المغرية لأنك ستحول حينها لحجر؛ وما إن تنتهي من الممر حتى ستجد أمامك ثعبانا أبيضا ضخما للغاية، لا تخف لأنك حينها ستجده نائما، اغرز السيف بين عينيه وستقتله على الفور بهذه الطريقة”.
همس الفتى في أذن الحصان: “اذهب بنا لكهف الثعبان الأبيض”.
انطلق الحصان كالبرق لكهف الثعبان الأبيض، وعند المدخل وجد السيف والذي انبهر بشكله وحجمه واستنكر على نفسه أن تستطيع النجاح في أخذه، ولكنه ما إن وضع عليه يده حتى شعر بقوة غربية تغمر جسده، وبالفعل أخذه وامتطى الحصان ودخل الممر ويا لهول الأشياء التي رآها، لقد كانت تسحر الناظرين ولكنه وضع عبارة القزم العجوز أمام عينيه ستتحول حجرا على الفور، وبعد برهة وجيزة وجد أمامه الثعبان الأبيض وقد كان ضخما لدرجة أرهبت الفتى، ولولا أنه كان غارقا في سبات عميق لتركه الفتى هاربا من شدة هول حجمه وضخامته، وضع السيف بين عينيه وإذا بشعاع نور يخرج من السيف ليتحول إثره لصولجان.
حمل الفتى الثعبان الأبيض بعدما قتله والصولجان، وهمس في أذن الحصان: “عد بنا لغابة الأقزام”.
وهناك وجد القزم العجوز ذو اللحية البيضاء في انتظاره …
حمل الفتى الثعبان الأبيض بعدما قتله والصولجان، وهمس في أذن الحصان: “عد بنا لغابة الأقزام”.
وهناك وجد القزم العجوز ذو اللحية البيضاء في انتظاره، لقد سر كثيرا ما إن رآه وقد نجح في المهمة التي كلفه بها.
القزم: “وأخيرا، تبدأ الآن مهمتي”.
تلك الكلمات البسيطة أثارت الشك بقلب الفتى: “ماذا تقول؟!، أكنت تستغلني من أجل مصلحتك الشخصية؟!”
القزم العجوز: “لا … لا، كل ما هنالك أنني انتظرت طويلا حتى أرد الدين للملك، فقد أنقذ حياتي مرتين، سأروي لك قصتهما…
ذات يوم كنت خارجا لجمع بعض الأعشاب السحرية، وحينها سقطت داخل بئر عميق لم أستطع الخروج منه، مكثت بداخله يومين متتالين وبدأت قواي تخور وفجأة وجدته يد لي يد العون والمساعدة وأنقذ حياتي؛ ومرة أخرى وبسبب الأعشاب السحرية أيضا سقطت في مياه عميقة للغاية وكدت أتلفظ آخر أنفسي ولكن الملك كان شجاعا ومقداما لأقصى الحدود، سبح طويلا واستطاع إنقاذي من الغرق، واليوم بفضلك سأرد له جميل صنعه معي”.
الفتى بندم وأسف شديد طأطأ رأسه: “اعذرني ولكنني تشوشت رأسي من أهوال ما رأيت”.
القزم العجوز: “لا عليك، ولكن ما يتوجب علينا فعله الآن هو طهي الثعبان الأبيض بالأعشاب السحرية”.
وبالفعل بعدما انتهيا من طهي الثعبان الأبيض بالأعشاب السحرية …
القزم العجوز ذو اللحية البيضاء: “كدت أن أنسى”، وأخرج بلورة سحرية وجعل الفتى يرى من خلالها كل ما حدث بالقصر بعد ذهابه، فرأى الفتى كيف لقائد الفرسان أخذ الخاتم الملكي المفضل للملك وألقى به من النافذة فابتلعته البطة، وكيف للملك أمر كل جنوده بالبحث عنه بكل أرجاء المملكة وأن يأتوه به.
ذهل الفتى ودب الرعب بقلبه، ولكن القزم العجوز طمأنه وهدأ من روعه مجددا، فقص القزم العجوز شعيرات من لحيته وأعطاها للفتى وع بعض وريقات شجرة الصنوبر …
القزم العجوز ذو اللحية البيضاء: “عد للقصر وقبيل أن تصل احرق بعضا من شعيرات لحيتي ستختفي حينها عن الأنظار وتصبح غير مرئيا للجميع، وعندما تصل للملك الحقيقي احرق بعضا من وريقات الشجرة فستظهر حينها للملك أعطه الصولجان وهو سيقوم بتحرير نفسه؛ ولا تنسى أن تعيد الثعبان المطهو مكانه بالطبق، وتحضر الخاتم من جوف البطة”.
وبالفعل انطلق الفتى مسرعا بعدما همس في أذن الحصان “اذهب بنا للقصر الملكي”، وهناك قبل أن يصل للقصر حرق بعض شعيرات لحية القزم فاختفى، وبهدوء شديد أعاد الحصان لمكانه بالإسطبل، ومن ثم دخل القصر وأعاد الثعبان في الطبق بالقفص بالحجرة الخاصة به؛ وذهب على الفور بالحديقة وسأل البطات جميعهن عن أي واحدة فيهن ابتلعت خاتما سقط من نافذة الملك.
تقدمت إحداهن: “لقد رأيت شيئا يسقط من النافذة فالتقطته بمنقاري ظنا مني أنه فتات ألقاه الملك إلينا كعادته، ولكن من أنت نحن نسمع صوتك وهو ليس بغريب علينا ولكننا لا نراك”.
الفتى: “إنني الفتى آليكس مرافق الملك والأميرة”.
البطة: “لقد كانت هناك ضجة عارمة بالقصر بأكمله”.
الفتى: “نعم ولهذا السبب أنا مختفي عن الأنظار، أتعلمين سبب كل هذه الضجة؟!”، فهزت البطة برأسها إشارة على عدم معرفتها بالأمر.
الفتى مستكملا: “إنه الشيء الذي قمتِ بابتلاعه، إنه خاتم الملك المفضل لديه”.
البطة: “إذا خلصني منه وخاصة أنه يؤلمني فقد علق بحوصلتي، كل ما عليك فعله أن تضغط أسفل حوصلتي ولا تقلق ستساعدني بهذه الطريقة على إخراجه وتريحني منه”.
وبالفعل ساعدها الفتى النبيل بإخراجه، وبعدها أخذ الخاتم وتوجه لغرفة الملك وهناك دخل ببطء شديد، وقام بوضع الخاتم بخزانة ملابسه لا بصندوق مجوهراته؛ وفتح باب السرداب ببطء وبتروي ودخل متوجها للملك الحقيقي …
أول ما اقترب منه قال الملك: “أهذا أنت؟!”
رد عليه الفتى: “نعم أيها الملك لقد عدت ومعي الصولجان”.
فأعطاه الفتى الصولجان، وأمسكه الثاني بين يديه متحيرا وفي حالة ذهول، نظر إليه الفتى وقد كان مازال مختفيا عن النظار …
فأعطاه الفتى الصولجان، وأمسكه الثاني بين يديه متحيرا وفي حالة ذهول، نظر إليه الفتى وقد كان مازال مختفيا عن الأنظار: “لقد تحول لصولجان بعدما كان سيفا مغروزا أمام بوابة كهف الثعبان الأبيض، أول ما قلقت بواسطته الثعبان الأبيض خرج منه شعاعا مضيئا للغاية أبيض اللون، وأصبح هذا الصولجان الذي بيدك الآن”.
الملك: “أتعلم ما دلالة ذلك؟!”
الفتى: “لا أعلم يا مولاي ما دلالته”.
الملك: “تحوله لصولجان دليل على أنني لست ملكا فحسب بل أصبحت إمبراطورا للبلاد، وأن هذا الصولجان له قوى خارقة تفوق الوصف والخيال، وبسبب كل تلك القوى ستتسع مملكتي ويزدهر الحكم، هذا ما نبأني به الحكيم منذ سنوات طويلة؛ كما أخبرني أن الفتى الذي يأتيني بالصولجان سيكون صهري بعد زواجه من ابنتي الوحيدة، ياااه فكم اشتقت إليها”.
الفتى: “ألك يا سيدي ابنة وحيدة مثل أخيك؟!”
الملك بغضب شديد: “إنها ابنتي أنا، وهو من قام بتربيتها، لقد ولدتها زوجتي وقد كنت بالسجن اللعين هنا، وتوفيت زوجتي أثناء ولادتها لها، لذلك فابنتي تعتقد أنه والدها وقد رباها، ولكن كل ذلك سيتغير فور خروجي من هنا”.
الفتى: “ولكن أخبرني كيف ستتخلص من كل هذه القيود والأغلال الضخمة والمخيفة في ذات الوقت”.
الملك: “إن هذا الصولجان وحده كفيل بكل ذلك، انظر وسترى”.
أمسك الملك بالصولجان وقربه من فمه وتمتم ببعض الكلمات الغريبة، وبعدها أمر الصولجان بفك وثاقه، خرج نور من الصولجان وبعدها أصبح الملك طليقا حرا؛ تمتم الملك بكلمات غريبة أيضا فأصبح غير مريء، هنا دب القلق والشك بقلب الفتى من جديد، وشعر الملك بذلك فقال: “ما بك، هل عدت لشكوك مجددا، لا تقلق وطمئن نفسك، والآن عد لغرفتك وسأكون دوما بجانبك، واستعد ليوم حافل بالمفاجآت”.
وعلى الفور عاد الفتى لغرفة نومه وأحرق بضعا من وريقات شجرة الصنوبر وأصبح مرئيا، وغاص بنوم عميق.
وفي الصباح الباكر استيقظ الفتى على أصوات ضجيج تعم المكان بأكمله، تظاهر الفتى بأنه لا يعرف شيئا من الأساس وأن لا شيء حدث معه على الإطلاق، لقد كانوا حراس الملك يحاصرونه من كل اتجاه، أخذوه مقيد اليدين والرجلين وذهبوا به للملك …
الملك بغضب شديد: “أين كنت آليكس؟”
الفتى: “لقد كنت بغرفتي يا مولاي الملك”.
الملك لجنوده: “بملابس نومه؟!، ألم تخبروني بأنه لم يكن بالأمس بغرفة نومه؟!”
رد على الفور قائد الفرسان: “نعم يا مولاي وقد تأكدت من ذلك بنفسي”.
الملك: “فكيف وهو يقف أمامي بملابس نومه، وأنتم قد أحضرتموه من غرفة النوم خاصته؟!”
الفتى: “أنا سأخبرك يا مولاي، ولكن لطفا لا تسخر من أمري”.
الملك بتعجب شديد: “تكلم”.
الفتى: “ليلة أمس سمعت ضجيجا مفزعا، فاعتقدت أن العدو قد هجم على القصر والبلاد بأكملها فدخلت أسفل السرير مختبئا، وعندما زال الضجيج صعدت إليه مجددا ولم أشعر بنفسي عندما غلبني النعاس”.
الملك: “ماذا تقول؟!، عدو بداخل قصري وبوجودي، إنها لم تحدث ولن تحدث مهما بلغت قوى أعدائنا؛ ولكن آليكس كل هذا الضجيج أمس كان بسببك أنت”.
الفتى: “ماذا بسببي أنا؟!، وماذا فعلت يا مولاي، لقد قمت بكل واجباتي أمس ولم أخطأ بشيء على الإطلاق”.
الملك: “لقد أخذت خاتمي المفضل”.
الفتى: “خاتمك المفضل لقد وضعته بخزانة ملابسك أمامي يا مولاي”.
على الفور نهض الملك من مكانه وتوجه لغرفته الخاصة وتفقد خزانة ملابسه، في هذه الأثناء دخل خلفه قائد الفرسان وقد بدت على وجهه ابتسامة الخبث للفتى، وكأنه أيقن أخيرا بهزيمة الفتى وانتصاره وأن رقبته أوشكت على الانفصال من جسده.
ولكن عندما دخل للملك وجده يتفقد خاتمه بإصبعه، وعندما رأى قائد فرسانه قال: “لقد وضعته بخزانة ملابسي وبالتأكيد قد نسيت ذلك”.
القائد بذهول وخوف شديدين: “هذا مستحيل!”
على الفور عزم القائد على الرحيل لأنه أيقن أن الفتى ساحر وأنه مثلما علم بمكان الخاتم سيعلم بمن ورائه ومن دبر له المكيدة، وحينها سيكشف أمره وتقدم رقبته جزاءا لما فعل …
على الفور عزم القائد على الرحيل لأنه أيقن أن الفتى ساحر وأنه مثلما علم بمكان الخاتم سيعلم بمن ورائه ومن دبر له المكيدة، وحينها سيكشف أمره وتقدم رقبته جزاءا لما فعل.
وبغروب الشمس والذي كان من المفترض على الفتى فعله أن يحمل الطبق المغطى ويذهب به للملك، لكنه لم يفعل وانتظر ما الذي سيحدث حينها؛ سمع الجرس يقدم من غرفة الملك الخاصة فذهب إليه، وأول ما وصل إليه انهال عليه الملك بالشتائم واللعن والسب، وسأله عن الطبق وأمره بإحضاره على الفور …
الملك: “ألم أخبرك أن تأتيني به كل يوم قبل غروب الشمس، سأعفو عنك هذه المرة وألتمس لك عذرا ولكن بالمرة القادمة لن أرحمك”.
الفتى: “ولكنني لن آتيك به يا مولاي”.
ذهل الملك من جرأته الزائدة عن حدها: “إذا ستعجل بموتك بهذه الطريقة التي تنتهجها”.
الفتى: “كل تهديداتك ووعيدك لن يفلحوا معي يا مولاي”.
صرخ الملك على جنوده وأمرهم بزجه بالسجن، وأخذه بالساحة وسط المدينة لاقتلاع رأسه من على جسده بعد أمر جميع الشعب بالحضور حتى يكون لغيره عبرة وعظة.
وضع الفتى بالسجن، وفي هذه اللحظة قدم إليه الملك الحقيقي وظهر له …
الملك الحقيقي: “اصمد ولا تخف فأنا سأكون معك”.
الفتى: “لست خائفا فقد احتفظت ببعض الشعيرات من لحية القزم العجوز وببعض وريقات شجرة الصنوبر ويمكنني بواسطتهما الاختفاء وقتما شئت”.
الملك الحقيقي: “لا، لا تفعل ذلك، بل سنتخذها فرصة ليشهد الجميع على كذب أخي، ونوضح لهم الحقيقة كاملة وأمام أعينهم جميعا”.
وقضيا الليلة سويا يخططان لليوم القادم وكيف سيتحكمان به.
وفي الصباح الباكر قدم جنود الملك وقاموا بأخذ الفتى للساحة وسط المدينة وقد تواجدت الحشود من عامة الناس، وبعد قليل من الوقت جاء الملك بعربته الفخمة، وما إن قدم حتى شرع الشعب في الهتاف له، هنا صرخ الفتى بأعلى صوته قائلا: “لا تهتفوا له فإنه ليس بملككم الحقيقي، وإنما هو شقيق الملك الحقيقي التوأم والذي جعلكم تثقون به بعدما خان أخيه، وقال أن أخاه التوأم قد أقلت عليه ساحرة شريرة تعويذة وجعلته طائرا؛ ولكنه قام بخيانة ملكنا الحقيقي وسجنه بسجن رهيب وكبله بالأغلال وقد كان سجنه بقصره نفسه إذ وضعه بحجرة قذرة يؤدي إليها سرداب ويوجد باب مخفي بغرفة نومه؛ إنه ليس بملككم الحقيقي”.
غضب غضبا شديدا من كلامه لذلك أمر رجاله بسرعة إنهاء حياته بفصل رأسه عن جسده وإراحة الملك من شره؛ وما إن رفع القصاص يداه ليقتص منه حتى وجد نفسه غير قادر على تحريكهما للأسفل مرة أخرى، وشعر وكأن قوى خفية تمسك بيديه، فصرخ من شدة هول ما يحدث معه.
لقد كان الملك الحقيقي هو من فعل ذلك، وبعدها قام بفك وثاق الفتى؛ ومن بعدها شعر الملك المزيف وكأن أحدا يدفعه حتى وصل به لمكان القصاص وقام بربط يديه، أخذ يستنجد بحراسه وجنوده ورجاله من حوله ولكن الخوف كان قد خيم على المكان بأكمله، وفي هذه اللحظة همس الملك الحقيقي في أذن أخيه قائلا: “اعترف بكل ما حدث وإلا ستكون نهايتك على يدي، أرى حالة الذهول والتعجب التي ألمت بك، ولكن إن عدت بذاكرتك للوراء بسنوات طويلة وتذكرت سر الثعبان الأبيض الثاني ومدى قوته ستتأكد حينها أنني شقيقك الملك الحقيقي أو بالأحرى إمبراطور البلاد بأكملها؛ ستعترف أم ستدفع رقبك ثمنا لإنكارك، وتكون نهايتك ويكون قصاصك على يد الإمبراطور”.
وأنزل السيف وقربه من رقبته هنا غمرت الملك المزيف حالة لاشعورية من الخوف الشديد ونطق بالحقيقة كاملة دون كذب، كان الجميع يشهد على أقواله واعترافه بما فيهم ابنة الملك شخصها، وفي هذه اللحظة انهمرت الدموع من عينيها لمعرفتها بالحقيقة المرة، أما عن الشعب فقد انهال عليه بأقبح الشتائم مطالبين إياه بدلهم على مكان ملكهم الحقيقي …
وأنزل السيف وقربه من رقبته هنا غمرت الملك المزيف حالة لاشعورية من الخوف الشديد ونطق بالحقيقة كاملة دون كذب، كان الجميع يشهد على أقواله واعترافه بما فيهم ابنة الملك شخصها، وفي هذه اللحظة انهمرت الدموع من عينيها لمعرفتها بالحقيقة المرة، أما عن الشعب فقد انهال عليه بأقبح الشتائم مطالبين إياه بدلهم على مكان ملكهم الحقيقي.
وفجأة ظهر أمامهم الملك الحقيقي وبيده الصولجان، ذهلوا جميعا ولكنهم أيضا كانوا مسرورين بعودته وسلامته، وأكثر من كل لذك بكونه إمبراطورا بحمله للصولجان والذي به الكثير من الدلالات، حيث أن بلادهم متوجهة نحو الرقي والعدل بين الشعوب لأنها ستتحول من حكم ملكي لحكم إمبراطوري، وأيقنوا جميعا أنهم نحو عصر جديد من التقدم والازدهار والحرية والمساواة بين كل طوائف الشعوب.
ولكنهم أيضا طالبوا الإمبراطور بتنفيذ حكم الإعدام على أخيه نظرا لكل الغدر والمكر الذي فعله به وبشعبه، ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك بشقيقه فهو ليس مثله وقلبه لم يطاوعه، لذلك قان بفيه لغابة الأقزام وهناك وضعه تحت حراسة القزم العجوز ذو اللحية البيضاء بنفسه، كما حكم عليه بعدد من السنوات مماثل لعدد السنوات التي قضاها بسجنه البغيض، وفور انتهاء هذه السنوات الطوال سينظر في أمره بعدها أيكمل في منفاه أم يعفو عنه.
كانت الأميرة في حالة ذهول ونكران لما حدث، فلم يكن من السهل عليها تقبل ما حدث بالساعات الأواخر، وخاصة أنها كانت لا تثق بأحد غير والدها والذي اتضح فيما بعد أنه أكثر شخص بكل الوجود خدعها وسبب لها الكثير من الأوجاع؛ لذلك كان لزاما على الفتى “آليكس” أن يتدخل ويتقرب إليها، وبعد كثير من الوقت بالكاد تقبلت الأميرة الأمر وتعاملت معه.
لقد سرد لها الفتى كل م حدث له منذ أن رأى والدها وقد كان مكبلا بالأغلال بفعل شقيقه الماكر، وكيف له أن ذهب لغابة الأقزام وقص عليها كل الأحداث المثيرة للاهتمام، كسب ودها ومحبتها فتوقفت الفتاة عن معاملته بعجرفة وتكبر كما كانت بالسابق، بل غدت تعامله بمحبة ولطف للغاية.
عم الأمان أرجاء البلاد مجددا، وقام الإمبراطور بتعيين الفتى قائدا للفرسان والمستشار الأول والأخير لجميع شئونه، فرح الفتى بهذه المناصب وكان سعيدا بها للغاية، وأول ما فعله الفتى أحضر أبويه وإخوته وقام ببناء قصر بالعطية التي منحه إياه الإمبراطور لأجلهم جميعا؛ ومن ثم توجه للإمبراطور وطلب منه يد ابنته الوحيدة للزواج، وعلى الفور قبل الإمبراطور عرضه قائلا: “أتعلم إن تفعل أنت لكنت فعلت ذلك أنا”.
ولكن كان للأميرة شرط واحد على موافقتها على الزواج به، وذلك كان يعد لها بمثابة مدى قدرته على حبها طول العمر وأنه لم يمل منها ولا من تصرفاتها وسيبادلها الحب دوما؛ ألقت الفتاة قلادتها المحببة لديها في وسط بحيرة القصر، وطلبت من الفتى إحضارها لأجلها في نصف يوم ليس أكثر من ذلك.
جلس الفتى حائرا بجوار البحيرة لا يعلم كيف سيخرج القلادة، فجاءته البطة التي أنقذها وأخرج الخاتم من حوصلتها مسبقا، عرضت عليه المساعدة بأن يخبرها ما يحزنه بهذه الطريقة، وما إن قص عليها ما حدث مع الأميرة غاصت في مياه البحيرة على الفور وخرجت بعدها والقلادة في منقارها.
أخذها الفتى وذهب بها للأميرة ولكنها رأت أنه كان اختبارا سهلا بالنسبة إليه وأنها تريد اختبارا آخر له؛ غضب الإمبراطور وأخبرها بأنه أيضا سيكون الأخير، وافقته الرأي الفتاة، وبعد قليل من الوقت استدعت الأميرة خادما من القصر وذهبت برفقته ورفقة الفتى للحديقة وأمرت الخادم بنثر عشرات الأكياس من الحبوب، وأخبرت الفتى بن عليه جمعها جميعها كما كانت قبل طلوع الشمس وانصرفت.
جلس الفتى حزينا تحت الشجرة فسمع على الفور أصوات النمل من حوله، لقد كانت النملة التي ساعدها مسبقا وقد جاءت بآلاف من جيوش النمل، وقاموا جميعا بمساعدته في جمع الحب وكان الفتى يرقب عملهم جميعا المتقن والمنظم لأبعد الحدود، وكان أيضا كلما جمعوا حبوبا بقدر كيس يقوم بتعبأتها به.
وفي طلوع الشمس قدمت الفتاة ووجدته قد أنجز العمل على أتمم وجه ممكن استسلمت لقلبها أخيرا ووافقت على الزواج به، وعاشا بسعادة أبدية.
أما عن شقيق الملك الحقيقي وتوأمه فقد توفي أثناء نفه قبل أن يتم المدة المحددة له، وبعدها بقليل من السنوات توفي الإمبراطور فأمسك الفتى البلاد وأصبح الإمبراطور، وقد اشتهر حكمه للبلاد بالحب والمودة والعطف على الجميع، ونشر العدل والمساواة بين جميع فئات وطوائف البلاد.